حدود اختصاص رئيس مجلس الوزراء في تخطيط وتنفيذ السياسة العامة للدولة في دستور العراق لعام 2005م
دستور العراق لعام 2005 |
بقلم الاستاذ الباحث : حسن علي عبدالحسين البديري.
موضوع البحث :
لرئيس مجلس الوزراء في النظام البرلماني ، حق الاشراف العام على الوزارة ، لأنه المسؤول ليس أمام البرلمان فحسب بل وامام هيأة الناخبين ، وليس لهذا الاشراف ضابط محدود وان كان من المتفق عليه انه نوع من الرقابة العامة التي تصل الى حد التدخل في تحديد اساسيات السياسة العامة لكل وزارة قبل تقريرها بل وقبل اقتراحها ، ويمتد اشراف رئيس الوزراء على الوزراء خارج مجلس الوزراء ودوائر الحكومة في كل ما يصدر عنهم متعلقا بالسياسة العامة للوزارة . حتى أنّ رئيس الوزراء كثيرا ما يعمل من دون استشارة الوزراء عند اعلانه عن سياسة جديدة ، وهنا الوزراء يجدون انفسهم في أغلب الاحوال مضطرين الى قبول وجهة نظره أو الاستقالة.
وهذا المركز تقرر له بوصفه محور ارتكاز الحكومة ومركز الثقل فيها بعد أنْ ترشّح عن حزب الاغلبية باقتناع هيأة الناخبين ببرنامجه الحكومي وتصوره لمنهج الحكم ، حتى عده البعض الحاكم الحقيقي للدولة بقولهم (لا يكون من المبالغة ان نعلن بجرأة وبصراحة شديدة ان رئاسة الوزراء هو ما يقوم به رئيس الوزراء وحده) بل ان هذه هي الحقيقة التي تحدث عنها الملك البريطاني هنري الثامن لوزيره الاول ( وولزي ) بقوله (لم اجعلك رجل الدولة الاول).
واذا كانت هذه القاعدة المقررة لمركز رئيس الوزراء ، فان النظم القانونية للدول جاءت في البعض من احكامها بالمغايرة ، لعلًل وحّكم كثيرة بشكل اثر على مركز رئيس الوزراء وتصّوره للحكم الامر الذي اثر بالسلب على تخطيط وتنفيذ السياسة العامة للدولة.
وفي مقدمة تلك النظم كان النظام القانوني في العراق الذي تقررت قواعده في دستور جمهورية العراق لسنة 2005 والنظام الداخلي لمجلس الوزراء رقم (8) لسنة 2014.
اشكالية البحث :
تثير القواعد المحددة لاختصاص رئيس مجلس الوزراء في تخطيط وتنفيذ السياسة العامة للدولة في دستور جمهورية العراق لسنة 2005 اشكاليتين موضوعيتين .
1- جاءت البعض من قواعد تقرير السياسة العامة للدولة في دستور جمهورية العراق لسنة 2005 بالمخالفة للأسس والاحكام الخاصة بالتخطيط والتنفيذ والاشراف على السياسة العامة في النظام البرلماني إذ لم يٌقرر لرئيس مجلس الوزراء حتى الحق بمناقشة الوزير بمبادرة السياسة الخاصة بوزارته لإجباره بتعديل او اضافة او الغاء جزء منها ليتفق ذلك مع السياسة العامة ، كما لم يُخًول الرقابة الفعالة والحقيقية لتنفيذ المقررات الخاصة بالسياسة كما لم يجعل من صوته في المجلس اثر قانوني اقوى من صوت الوزراء حتى غدا – المجلس –هو نقطة الارتكاز في السلطة التنفيذية .
2- لما كان ليس لرئيس مجلس الوزراء الحق في تقرير سياسة الدولة بمفرده ولا مشاريع القوانين المنفذة لها بحسب رأيه الشخصي ولا يجزم في امر من الامور التي تتعلق برسمها على وفق سياسته الخاصة ، بل كل ذلك خُول لاختصاص مجلس الوزراء فالمنطق القانوني السليم يقضي بان يتحمل المجلس المسؤولية التضامنية الكاملة عن أي خطأ في السياسة العامة طبقا لقاعدة – المسؤولية بقدر السلطة – وتوجد المسؤولية حيث توجد السلطة .
إلا أنّ قواعد تقرير المسؤولية الناجمة عن السياسة العامة في دستور جمهورية العراق لسنة 2005 جاءت بالمخالفة لذلك عندما قررت بخضوع رئيس مجلس الوزراء بمفرده للمسؤولية التنفيذية المباشرة العامة للدولة في المادة (78) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 التي جاءت بالنص على (رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة، والقائد العام للقوات المسلحة، يقوم بإدارة مجلس الوزراء ويترأس اجتماعاته، وله الحق بإقالة الوزراء، بموافقة مجلس النواب).
اهمية البحث :
لما تمثله القواعد الصحيحة في تقرير السياسة العامة للدولة، في ازدهار وانتعاش اقتصاد الدولة، ورفاهية مستوى معيشة افرادها، ونمو دورها على الصعيد الاقليمي وتعاظم ثقلها الدولي، الامر الذي استوجب تخصيص دراسة علمية موضوعية قانونية لبيان الاسس الدقيقة لتقرير هذه السياسة العامة ابتداءً من تخطيطها وتقريرها والاشراف على تنفيذها، مضافا الى تحديد دور السلطات القائمة عليها، ونوع الرقابة التي تباشرها كل منها، لما لاعتماد هذه الاسس من اثر ايجابي على الدولة كلها، ولما لانعدامها من اثر سلبي يهدد وجود الدولة وكيانها واستقرارها وديمومتها.
نطاق البحث :
ان النتائج الدقيقة للبحث توجب شرح قواعد دستور جمهورية العراق لسنة 2005 الخاصة بتقرير السياسة العامة للدولة بالمقارنة مع دول محددة تأسست فيها مبادئ هذه السياسة واحكمت قواعدها بشكل دقيق اسهم في ازدهارها و انتعاش اقتصادها، وفي المقدمة من تلك الدول بريطانيا على وفق أحكام النظام القانوني الخاص بها ودولة اليابان بالاستناد الى قواعد دستورها النافذ لسنة 1946, فضلاً عن دول ساندة للدراسة تمثلت بدولة المانيا الاتحادية على وفق قواعد القانون الاساسي الالماني لسنة 1949 المعدل سنة 2012 ودولة تركيا طبقا لأحكام دستورها لسنة 1982 المعدل لسنة 2011 .
مفهوم تخطيط السياسة العامة:
لقد اختلف الفقه في بيان مفهوم تخطيط السياسة العامة، وبقراءات التي صاغها هذا الفقه حيث قصد بعض الفقهاء بها، (وضع برنامج وقرارات مستقبلية لتحقيق اهداف عامة يتخذها فاعلون معرفون خلال مدة محددة عن طريق الامكانيات المتاحة وتكون معده للتنفيذ)
بينما راي اخر من الفقهاء عرفه بأنه (الاختيار المرتبط بالحقائق للإجراءات التي تتخذها الحكومة بقصد الوصول الى اتفاق على تحديد المشكلة والتعرف على بدائل حلها واسس المفاضلة بينها تمهيدا لاختيار البديل الذي يقترح اقراره لتحقيق النتائج المفترضة)
بينما ذهب ثالث من الفقهاء الى تعريفه بالقول (التدبير الذي يرمي لوضع برامج عمل في نطاق بيئة محددة بخطط منظمة ومفصلة لتحقيق الأهداف المستقبلية)
وهذا ما أيده اخر بالقول انه (المحافظة للاستخدام الكامل لحجم الموارد الاقتصادية خلال خطط او برامج او اهداف عامة او لكل هذه معا تقدم بها الحكومة لمده زمنية مستقبلية).
حجم اختصاص رئيس مجلس الوزراء في تخطيط السياسة العامة للدولة:
وبتحليل تلك النهج القانونية نلاحظ أنّ مراحل تخطيط السياسة العامة في بريطانيا وما يتمتع به الوزير الاول من سلطات يكون هو المحتكر لمبادرة السياسة العامة فساعد ذلك على تطبيق البرنامج الحكومي والانتخابي الذي هو عبارة عن مجموعة سياسات، الذي استطاع خلاله حصول على زعامة الاغلبية البرلمانية، واليه ترجع تحديد المسائل الخاصة بالسياسة العامة، بجملة مختصرة فان الحكومة بكامل اعضائها، تكاد تتجسد بشخص وزيرها الاول، ويتم العمل داخل مجلس الوزراء عن طريق النقاش والتشاور لا عن طريق التصويت، فالقضايا تطرح امامه وتناقش خلاله ثم يختار رئيس الوزراء القرار النهائي، وعدم وجود التصويت داخله يعود لسبب عدم وجود المعارضة في داخله، وانما التصويت موجود داخل البرلمان، وتمتاز مناقشات المجلس بالحدة والصراحة والسرية ورئيس الوزراء هو الذي يختار القرار الخص بالسياسة العامة طبقا لقناعته.
اما المنهج الذي اسس له في دولة اليابان في دستورها لسنة 1946 وقانون مجلس الوزراء بالرقم (5) لسنة 1947 فيقوم على تحديد خطوات السياسة العامة قد أعطى لرئيس الوزراء بعض السلطات التي تمكنه من أنْ يكون المبادر للسياسة العامة كما ان قانون الاصلاح الاداري المشرع سنة 1999 والذي دخل حيز التنفيذ سنة 2001 والذي منح رئيس الوزراء سلطة في اقتراح سياسات عامة، وهذا ما جاء ليعزز دور رئيس الوزراء في تقديم مبادرة السياسة العامة، وقد نتج عن ذلك قيام رؤساء الوزراء اليابان ضمن السلطات الممنوحة لهم وخلال مدة تسنمهم منصب رئيس الوزراء لقيام بمبادرات السياسة العامة، يتم اقرار السياسة العامة خلال اجتماع مجلس الوزراء وأنّ رئيس الوزراء سيختار مع أعضاء مجلس الوزراء المقترح الخاص بالسياسة العامة الذي تم تضمينه في جدول الاعمال والذي ينتج انجازات واضحه في فترة ولايته فالمواضيع والقرارات تنتج في الغالب من رئيس الوزراء وتجد موافقة بصورة عامة من قبل مجلس الوزراء
بينما تفرد العراق بمنهج خاص، ذلك أنّ البرنامج الحكومي يلزم الوزارة بإقرار السياسات الذي نص عليها البرنامج لكن مبادرة السياسة تكون المبادرة من الوزرات ليس من اختصاصات رئيس مجلس الوزراء وضــــع خـــطط السياسة العامة للدولة وتنفيذها والاشــراف على الوزراء والجهات غير المــرتبطة بوزارة وهذه من اختصاصات مجلس الوزراء
ويتحـمل رئيس مجلس الوزراء المســـؤولية المباشــــــرة عنها أمام مجلس النواب، لأنه هو من رشــحهم وسماهم، وهو مســــؤول تضــامنيا مع الوزراء. وهو خاضــــــع للدستور والقوانين ومجلسي النواب والوزراء، وله صوت واحد في مجلس الوزراء، وليس له اتخاذ اي قرار بمفرده مما يعقد اقرار السياسات لا نها تمر بمراحل معقدة وتحتاج الى توافق أعضاء مجلس الوزراء وكون المبادرة مرتبطة.
مفهوم تنفيذ السياسة العامة:
لقد اختلف الفقه في بيان مفهوم تنفيذ السياسة العامة، وبقراءات التي صاغها هذا الفقه نلحظ أنّ بعضاً قد ذهب الى ان المقصود بتنفيذ السياسة العامة (هو الاجراءات الفاعلة واللازمة لتحقيق اهداف صانع القرار، ازاء حل مشكلة عامة، اي ترجمة قرار السياسة العامة، بما ينطوي علية من اهداف للعمل والاداء وتحويلها من حالتها الاعلانية كقرار، الى حالتها الميدانية كعمل تنفيذي، وعلى هذا الاساس تتضمن تلك العملية وتستغرق جميع الحدود او المساحة الفاصلة بين اعلان السياسة بين تأثيرها الحقيقي، وقد تكون السياسة العامة، في مجال ما جيدة كوثيقة مكتوبة، لكن لا يتوافر لها التنفيذ الفعال لسبب او لأخر ما ينعكس سلبا على تحقيق الاهداف والغايات المنشودة من هذه السياسة).
يرى قسم ثاني من الفقهاء بانها (اتخاذ كل ما يلزم القيام به من اعمال بقصد تحقيق الاهداف، او هي ترجمة السياسات العامة بما ينطوي عليه من اهداف وقواعد ومبادئ، الى خطوط وبرامج عمل محددة ينتظر ان يترتب على تطبيقها تحقيق الاهداف، وتستلزم على هذه العملية، القيام بسلسة من النشاطات التنظيمية داخل الجهاز الاداري، تبدأ هذه القرارات والسياسات بواجبات ومسؤوليات يتطلب القيام بها، الغرض منها تحقيق تنفيذ القرارات والسياسات العامة) ،بينما الرأي الثالث من الفقهاء عرفه (هو ترجمة الاهداف الى برامج ونشاطات واجراءات وخطوات عمل منسقة متكاملة يقوم بها موظفون عامون في الوحدات التنظيمية المكونة للإدارة العامة ويلتزمون فيها بمعدلات كمية ونوعية للأداء وبشروط معينة للتطبيق بما يحقق اهداف السياسة العامة بكفاءة واقتصاد وعدالة ترضى السلطة التشريعية والجمهور. اي ان التنفيذ هو الانجاز الفعلي او التفاعل التطبيقي بين الاهداف والاعمال اللازمة لتحقيقها. وبهذا المعنى، يقصد به ادارة العمل الحكومي او الادارة العامة).
دور رئيس مجلس الوزراء في تنفيذ السياسة العامة للدولة:
وباستقراء النهج القانونية نجد ان مراحل تنفيذ السياسة العامة في بريطانيا وما يتمتع به الوزير الاول من اختصاصات يكون هو الموجه الاساسي للوزراء في تنفيذ السياسة العامة بالسهر على هذا التنفيذ مما يعطي للوزير الاول نوعا من المراقبة على كل الوزراء ويخوله اتخاذ ما يراه مناسبا من اجل تنفيذ هذه السياسة وتوجيه وتنسيق أعمال الوزارات والهيئات التابعة لها ويشمل ذلك إصدار القرارات التنظيمية والفردية اللازمة لتنفيذ هذه السياسة في نطاق المهام التي تتولاها وزارته وهذا يسهل عملية تنفيذ السياسات العامة ويعطي دور اساسي ومهم للوزير الاول من اجل تحقيق اهداف البرنامج الحكومي.
اما المنهج الذي اعتمدته اليابان لاختصاصات رئيس الوزراء فيمكنه من القيام بمسائلة الوزير الذي تقاعس عن تنفيذ هذه وان الخطوات تنفيذ السياسة العامة في اليابان غير معقدة كون اشتراك جميع البيروقراطيين في الوزرات اصلا في تخطيط هذه السياسات، يمارس رئيس الوزراء الرقابة والاشراف على الوزارات عن مدى التزامها بتنفيذ السياسة ويكون كل وزير مسؤولا مسؤولية تامة، ويسأل الوزراء سياسيا امام رئيس الوزراء عن عدم قيامهم بتنفيذ السياسة العامة للحكومة يمكن لرئيس الوزراء أن يكون الشخصية السياسية الأكثر نفوذاً خلال تعيينه لأعضاء مجلس الوزراء بوصفه رئيساً الوزراء وهذا يعطيه كامل الحرية في تعيين أعضائه، ويملك صلاحية كاملة على السلطة التنفيذية وبينما ذلك يستند على فرض أنه سوف يوظف الحرية الدستورية بتعيين وفصل أعضاء مجلس الوزراء من اجل تنفيذ السياسات العامة.
اما خطوات تنفيذ السياسة العامة على وفق النهج العراقي لم يعطي دور الحقيقي لرئيس مجلس الوزراء في مسائلة الوزراء عن عدم تنفيذهم السياسات العامة رغم من انه المسؤول التنفيذي المباشر عن تنفيذ السياسة العامة استنادا للمادة (78) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 التي نصت على انه، (رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة، والقائد العام للقوات المسلحة، يقوم بإدارة مجلس الوزراء ويترأس اجتماعاته، وله الحق بإقالة الوزراء، بموافقة مجلس النواب)، إذ جعل مهمة الاشراف من قبل مجلس الوزراء استنادا للمادة (80-اولا) من دستور جمهورية العراق التي نصت على أنّه (تخطيط وتنفيذ السياسة العامة للدولة والخطط العامة والاشراف على عمل الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة)، جعل الاشراف وتوجيه خلال مجلس الوزراء وليس رئيس مجلس الوزراء، لذا لا يمكن للجهة غير مسؤولة ان تتولى الاشراف في حين يمنع المسؤول بحكم النص من ذلك، ان عملية الاشراف والمراقبة تتطلب السرعة والحسم والمتابعة، وهذه العناصر لا يمكن ان تتحقق بإشراف مجلس الوزراء لأنه كيانه قانوني معنوي يعمل على اتخاذ القرارات بالتصويت لتنفيذ القوانين واصدار القرارات الادارية التنظيمية , ان مقدار الصلاحيات الممنوحة لرئيس مجلس الوزراء مقابل مسؤوليته لا ترتقي الى مستوى الموازنة على وفق مبدأ تلازم السلطة والمسؤولية، وعلى سبيل المثال ليس له الحق بمحاسبة واقالة وزير لانّ اقالة الوزير من صلاحية مجلس النواب، هو الذي يقوم بتسمية الوزير وطرحه للثقة من مجلس النواب، لكن ليس هو الذي يقيله، ومحاسبة اي وزير تتم خلال اقالته، وليس من خلال انذاره او قطع راتبه لمدة ثلاثة أيام
ان وضع رئيس مجلس الوزراء في موضع المسؤولية على هذا النحو بدون سلطة فعلية هو تكبيل لأيدي الرئيس الاعلى في مواجهة مرؤوسيه فبدل ان يكون مؤثراً فيهم وموجهاً لهم يكون متأثراً بهم ومسيراً منهم، وهو ما لا يتفق مع القاعدة العامة في الانظمة البرلمانية التي تذهب الى تقوية المركز الدستوري لرئيس الوزراء.
موجبات تحريك المسؤولية السياسية لرئيس مجلس الوزراء والوزراء أمام البرلمان:
لما كان النظام البرلماني يقٌر بمنح الدور الفعلي والحقيقي في الحكم لرئيس مجلس الوزراء ابقاء الدور التشريفي البروتوكولي لرئيس الجمهورية , لذلك فأن المنطق القانوني السليم يقضي بتحمل رئيس مجلس الوزراء تبعة ما يملكه من سلطة .
لان من يملك السلطة قد يكون في عرضة لانحراف او اساءة او ميل عن جادة حق الحكم الذي تصنعه السلطة، كما ان الاصل في وجود المسؤولية السياسية للوزارة لا يمكن مسائلتها الوزارة، إلا إذا كانت قد تولت الحكم، فلا يتصور خضوع الشخص للمسائلة من دون وجوده في المكان الذي يسأل من أجله، وبذلك يتحمل تبعة العمل الذي يقوم به من أجل اعتلائه هذا المنصب وذلك بحسب القاعدة الدستورية إذ توجد السلطة توجد المسؤولية.
واستناداً لذلك جاءت المادة (93/ سادساً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005لتقرر المحكمة الاتحادية الاختصاص في (الفصل في الاتهامات الموجهة إلى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء وينظم ذلك بقانون)
وبالنظر الى أنّ القانون المشار اليه في الفقرة اعلاه لم يصدر بعد، ولما لرسم السياسة العامة للدولة من اهمية كبرى في استقرار وازدهار ونماء الدولة، من ثم اي تصرف او عمل من شأنه الاخلال بها ممكن ان يكون موجباً لأثارة المسؤولية، نرى انه ممكن تقرير الموجبات الاتية للمسؤولية المباشرة لرئيس مجلس الوزراء.
أولاً- الاخلال في رسم السياسة العامة للدولة :
إنّ رئيس مجلس الوزراء هو رمز الوزارة، وعنوان سياستها، والموجه الاول للسياسة العامة للوزارة، اذن هو المسؤول عن اي اخلال برسم السياسة العامة، وبناءً على ذلك فأن اعمال رئيس مجلس الوزراء، إذا ترتب عنها ضرر وكان هذا الضرر عاماً يشمل المصلحة العليا للبلاد، فانه يعتبر مسؤولا عنه ويتعين عليه الاستقالة، بالشكل الذي يترك المجال للأخرين القادرين على جبر الضرر، فليس من العدل ان يبقى رئيس مجلس الوزراء في السلطة إذا كانت سياسته تؤدي إلى أضرار اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية، والضرر يجب أن يكون مسَّ المصالح العليا للبلد، واتسم بالحدة من حيث طبيعته وأهميته وتجاوز حدود النتائج أو الخسائر العادية التي يمكن تحملها والتي تقتضيا ضرورة العمل السياسي.
وبقراءة دقيقة لنظم الدراسة محل المقارنة نجد انها اكتفت بتنظيم المسؤولية التضامنية والفردية للوزارة من دون تحديد موجبات هذه المسؤولية.
حيث نجد ان النظام القانوني في بريطانيا قد جعل البرنامج الحكومي هو احد موجبات المسؤولية،فإذا استكمل رئيس الوزراء تشكيل وزارتــه بحصولــه على موافقة رئيس الدولة الرسمية، فعليه التوجه للبرلمان للحصول على تأييده لهذا التشكيل ومنحه الثقة لمباشرة مهامه، ويعد البرنامج أساس حصول الوزارة على ثقة البرلمان، فالبــرلمان يمنـح الثقة للوزارة أو يمنعها عنها بعد دراسة برنامجها وإبداء الرأي فيه، وعلى ضوء البرنامج تتحدد العلاقة بين البرلمان والوزارة، إذ يتطلب البرنامج إصدار القيام بتنفيذ السياسات العامة الذي يحتويه البرنامج الحكومي وتعتمد رقابة البرلمان لأعمال الوزارة على مقدار ما نفذته من برنامجها.
وعلى هذا النهج سار النظام الدستوري الياباني فجعل المسؤولية السياسية تثار على رئيس الوزراء عندما يتم الاخلال برسم بسياسة العامة، ولم يلزم الدستور رئيس الوزراء بالحصول على ثقة البرلمان الا ان اختياره عن طريق البرلمان يعد بمثابة ثقة به، ويتقدم بعد ذلك للبرلمان ببرنامج وزارته ليحصر مسؤولية الحكومة علية.
اما العراق وبالرجوع الى الاحكام المنظمة لذلك في دستور جمهورية العراق لسنة 2005 نجد انه غايرّ تلك النظم، في الاقرار المسؤولية، وتحديد وسائلها، وتوسيع نطاقها، وبيان اجراءاتها، وفي الاحالة الى قانون ينظم موجباتها .
ويلاحظ ذلك في المادة (61) من الدستور، عندما حددت وسائل هذه المسؤولية، استنادا في الفقرة (ثامنا/ًب/1) (لرئيس الجمهورية الحق في سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء، كما وقرر ذلك في الفقرة (ثامنا/ًب/2) لمجلس النواب بناءً على طلب 1/5 اعضائه بعد استجواب موجه الى رئيس مجلس الوزراء وبالأغلبية المطلقة لعدد اعضائه وتعد الوزارة في هذه الحالة.
ثم بعد ذلك اقر الدستور في المادة (78) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 عندما جاءت بالنص على انه (رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة، والقائد العام للقوات المسلحة، يقوم بإدارة مجلس الوزراء ويترأس اجتماعاته، وله الحق اقالة الوزراء، بموافقة مجلس النواب) ، بان رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة، لتقرر بعد ذلك المادة (93/سادساً) من الدستور نفسه عندما جاءت بالنص على انه (الفصل في الاتهامات الموجهة إلى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء وينظم ذلك بقانون) ، لتبين اختصاص المحكمة في الفصل بالاتهامات الموجهة الى رئيس مجلس الوزراء.
وبذلك إحالة تنظيم اجراءات المسؤولية وموجباتها الى قانون، لكن القانون لم يصدر لحد الان، لكن بقراءة مشروع القانون المعد له نلحظ عدم ادراج موجبات المسؤولية السياسية (لرئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء، عندما اشار الى الحالات التي يسال عنها رئيس مجلس الوزراء والتي تسوغ توجيه الاتهام له وذلك في المادة (3) منه إذ حددها بثلاث حالات أولها : الحنث باليمين الدستورية، والثانية انتهاك الدستور والثالثة : الخيانة العظمى).
وبناءً عليه ترى أنّ طبيعة الاختصاص الممنوح لرئيس مجلس الوزراء ابتداءً من اعداد البرنامج الحكومي والاشتراك في تخطيطه وتنفيذه، استناداً الى المادة (80 / اولا) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 التي جاءت بالنص على انه يتولى مع الوزراء(تخطيط وتنفيذ السياسة العامة للدولة والخطط العامة والاشراف على عمل الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة) ، يمكن ان ينتج افعال مكونة لأثارة المسؤولية السياسية ومن هذه الافعال الاخلال في رسم السياسة العامة .
ثانيا- مخالفة الواجبات الدستورية :
يؤسس الدستور القواعد المنظمة للسلطات الحاكمة في الدولة، ويبين تكوينها ويحدد اختصاصاتها التي تمارسها بصدد التعبير عن إرادة الدولة في صورة قرارات أو قواعد قانونية .
ومن نقطة البدء هذه، فإن الدستور، يعلو ويسمو، على جميع السلطات ومنها السلطة التنفيذية اذا تخضع للأحكام الواردة فيه، فالدستور إذن، هو أعلى قاعدة قانونية في الدولة.
وبناء عليه فأن اي مخالفة للقواعد الدستورية المحددة للواجبات الخاصة بسلطات رئيس مجلس الوزراء يكون موجبا لقيام مسؤوليته .
ومخالفة الواجبات الدستورية تعني (القيام بالأفعال المخالفة للدستور بشكل يؤدي الى ضرر عام يتعارض مع المصلحة العليا للبلد، بقطع النظر عن وجود جهل أو عدم تبصر، مع عدم الاخذ بالنية حسنة ام سيئة). ويمكن ان تكون المخالفة للدستور هي احدى موجبات المسؤولية السياسية .
بمعنى ان مخالفة القواعد الدستورية، يشكل موجب القيام مسؤولية رئيس مجلس الوزراء لما تتسم به من أعلوية، على باقي القواعد القانونية الاخرى بحكم التدرج الهرمي لسلم النظام القانوني، فضلا عما تحويه من جانب سياسي بحكم تنظيمها للنظام السياسي للدولة، والسلطات العامة فيها، والعلاقة بينها، مع احتفاظها بالطابع الاجتماعي في حدود تنظيمها للركن الاجتماعي في الدولة وتحدد علاقة السلطات العامة بالأفراد وتنظيم الحقوق والحريات العامة.
ومخالفة رئيس مجلس الوزراء لنصوص الدستور قد تكون على صعيد الاختصاص او الاشكال والاجراءات التي يحددها الدستور لممارسة رئيس المجلس اختصاصاته، فما من دستور الا ويحدد اختصاصات السلطات العامة في ظلة وينظم حدود العلاقة بينها، وبالتالي يشكل عدم التزام رئيس المجلس لحدود اختصاصاته او تجاوزه على صلاحيات السلطات الاخرى انتهاكا للدستور.
ومثل هذا الانتهاك يتحقق لو مارس رئيس مجلس الوزراء صلاحياته الدستورية بعيدا عن الاشكال والاجراءات التي حددها الدستور اذ لا تقل قواعد الشكل اهمية عن القواعد الموضوعية، فالمشروع الدستوري لم يفرض هذه القواعد او ينص عليها صراحة الا حماية لقواعد الاختصاص الموضوعي وتحصينا لحقوق الافراد وحريتهم في مواجهة كافة سلطات الدولة , والقول بغير ذلك يعني الفوضى الدستورية، وتنازع الاختصاص الايجابي والسلبي، وهدر حقوق الافراد وحريتهم، ويصبح الامر سيان بين وجود القواعد الدستورية وعدمها، بل ان عدمها قد يكون اكثر جدوى من وجودها بفعل الاتجاه للبحث عن قواعد أو مصادر أخرى (العرف مثلاً) لتنظيم اختصاصات السلطات العامة في الدولة.
النتائج والتوصيات:
1. ان النظام القانوني في العراق غاير النظام البرلماني. – في مقدمتها الدول محل الدراسة – حيث لم يضمن لرئيس مجلس الوزراء موقعاً خاصاً يخوله الاشراف والرقابة العامة على الأعمال الهامة للوزارات والمصالح – بالأخص – المتعلقة بخيارات السياسة العامة وتخطيطها وتنفيذها، حتى انه لم يخول رئيس مجلس الوزراء الحق في اقالة الوزراء عند عجزهم عن الوفاء بالتزاماتهم فيما يخص السياسة العامة للدولة الا عن طريق مجلس النواب.
من ذلك تقدمنا بمقترح ضرورة تعديل المادة (78) من الدستور بصيغة تكفل لرئيس مجلس الوزراء الرقابة المباشرة على عمل الوزارات كما وتضمن له الحق المباشر في اقالة الوزراء عند عجزهم دون الرجوع إلى مجلس النواب في ذلك.
2. فيما يخص الهياكل الساندة لمجلس الوزراء، لاحظنا إن الدول المقارنة تبنت منهجاً تأسس على التخصص والسرعة في انجاز الأعمال المناطة وعدم التعقيد بالإجراءات وبالتالي جنبت نفسها التعدد والتداخل في العمل من هذه الهياكلهيأة المستشارين .
لذلك تقدمنا بمقترح لتعديل أحكام النظام الداخلي لمجلس الوزراء رقم 8 لسنة 2014 يسمح بإلغاء عدد من هذه الهياكل ومنح الاختصاص لرئيس مجلس الوزراء عند الحاجة بتشكيل مجلس مصغر مؤقت للاستشارة يتكون من مجموعة من الوزراء لا يزيد على (5) يشترط تسميتهم شروط محددة منها السن القانوني لا يقل عن 40 سنة وله صفة الخبير والخبير لأغراض هذا النظام هو من لديه خبرة في العمل الإداري لا تقل عن 20 عام مشهود له بالكفاءة والنزاهة.
3. لما يمثله رئيس مجلس الوزراء من مركز مهم بوصفه المسؤول التنفيذي المباشر، ولإيجاد ضمانات حقيقية تمكنه من إدارة واجباته الدستورية، بعيد عن التأثير والضغط.
نقترح التحديد الدقيق للأفعال الموجبة لمسؤولية السياسية وبالتالي لا يمكن إثارة المسؤولية اتجاهه إلا إذا تحققت هذه الأفعال، ويضَمن ذلك في مشروع قانون الفصل في الاتهامات الموجهة إلى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء الذي أشارت له المادة 93/ سادساً من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 ونقترح إن تكون هذه الموجبات هي:
- 1- الإخلال في رسم السياسة العامة للدولة.
- 2- مخالفة الواجبات الدستورية
تعليقات
إرسال تعليق
اذا أعجبك الموضوع فلماذا تبخل علينا بالردود المشجعة