بقلم المحامي محمد هاشم المنكوشي
القاضي لغة : القاطِعُ للأمور المُحكِمُ لها
اصطلاحا : هو الشخص الذي له ولاية القضاء أي له سلطة البت في الطلبات القضائية , وهذه السلطة تمنح له بعد صدور مرسوم بتعينه واداءه اليمين القانونية ويطلق لفظ القاضي على عموم القضاة مع غض النظر عن صنوفهم .
ولما كان القاضي بشراً وله حياته الخاصة به ومصالحة الخاصة به فهذه المصالح قد تتعارض مع مصالح الخصوم وحينها ليس للقاضي ان ينظر الطلب القضائي موضوع التعارض لعدم جواز الجمع بين صفتي الخصومة والحكم في آن واحد , لذا فان القاضي يمنع من نظر هذا الطلب سواء كان منعا وجوبيا او منعا جوازيا بغية حماية القاضي من الانقياد لعواطفه او مصالحه .
الرد لغة : هو الدفع او المنع
رد القاضي اصطلاحا : هو منع القاضي عن نظر النزاع المعروض عليه سواء كان المنع وجوبي ام كان جوازي وذلك عند توفر احدى الحالات التي نص عليها المشرع .
وان الغاية من تشريع رد القاضي هو حماية مبدأ حيادية القضاء وعدالته , اذ لا تكفي ان تكون احكام المحاكم عادلة بل يجب ان تكون ايضا بعيدة عن مضنة التحيز وموضع طمأنينة الخصوم , لذا فان حق رد القاضي هو من الحقوق الأساسية المرتبطة بحق التقاضي
الرد ألجوازي /
هو منع القاضي عن نظر النزاع بناءا على طلب احد الخصوم عند توفر احدى الحالات التي نصت عليها المادة (93) مرافعات مدنية وهذه الحالات تكون اقل تأثيرا في ذات القاضي من حالات الرد الوجوبي , فاذا وجدت احدى هذه الحالات فان القاضي لا يفقد صلاحيته لنظر النزاع بل الامر متروك لتقديره اولا ان شاء تنحى عن نظر النزاع من تلقاء نفسه و ثانيا لارادة الخصوم في رده فان لم يتنحى ولم يرده الخصوم وفصل في النزاع كان فصله والإجراءات المتخذة في الطلب القضائي صحيحة , وهذه الحالات هي :
أ- الاستخدام واعتياد المؤاكلة او المساكنة وقبول الهدية :
ويقصد بالمستخدم هو كل من له علاقة تبعية بالقاضي ومن اوضح مصاديق المستخدم السائق والسكرتير والكاتب والعامل , وعليه فلا يعد مستخدما الطبيب والمقاول في الاعمال التي يقومون بها , وكذلك المستأجر من القاضي لعدم وجود علاقة تبعية بينهما .
واما اذا كان المستخدم هو اب الخصم او ابنه او اخيه فلا ينهض سبب الرد , كذلك الحال اذا انعكس الامر و كان القاضي يعمل سابقا في خدمة احد الخصوم .
ولا يشترط لتحقق سبب الرد ان يكون المستخدم مستخدما اثناء نظر الطلب القضائي لدى القاضي بل يكفي لتحققه وان كان يعمل في خدمة القاضي وانتهت خدمته .
ويقصد باعتياد المؤاكلة هو تكرار المشاركة في الاكل سواء حصل الاعتياد على مائدة القاضي او مائدة الخصم او على مائدة الغير وسواء كان الطعام على موائدهم ام في مكان خارجي كالمطعم , وحكم اعتياد المشاربة هو حكم اعتياد المؤاكلة لان كلاهما يدلان على وجود علاقة قوية بينهما , ولا يتحقق اعتياد المؤاكلة اذا كان القاضي يأكل في ذات المطعم الذي يأكل فيه احد الخصوم او يجتمع معه اجتماعا عارضا .
ويقصد باعتياد المساكنة هو السكن المشترك لفترة من الزمن سواء كان السكن في منزل القاضي او منزل الخصم او مكان الغير كالفندق , ولا يتحقق اعتياد المساكنه اذا سكن القاضي والخصم في مبنى واحد في شقق منفصلة او سكنا في فندق واحد وكان لكل منهما غرفة خاصة او جناح خاص .
ويقصد بالهدية كل مال او منفعة مالية , وقبول القاضي لهدية احد الخصوم سواء كان قبل اقامة الطلب القضائي ام بعده دليلا على الود الذي بينهما , ويشترط لتحقق سبب الرد ان يكون القاضي قد قبل الهدية صراحة او ضمنا واما اذا رفضها فلا سبب للرد .
وعليه فاذا كان احد الخصوم مستخدما عند القاضي او كان قد اعتاد مؤاكلته او مساكنتھ او كان قد تلقى منھ ھدیة قبیل أقامة الطلب القضائي او بعده فيمنع جوازيا من نظر الطلب القضائي استنادا لمنطوق الفقرة (1) من المادة (93) مرافعات مدنية , حيث ان الامور المتقدمة تدل على وجود علاقة قوية بين القاضي وبين احد الخصوم مما يخشى معها على حيادية القاضي وموضوعيته .
ب- العداوة والصداقة :
ويقصد بالعداوة هي كل كره وبغض بين القاضي وبين احد الخصوم بشرط عدم وصوله الى القضاء لانه ينقلب الى خصومة .
ويقصد بالصداقة هي كل محبة وموده بين القاضي وبين احد الخصوم , والصداقة اخص من الصحبة لان كل صديق صاحب وليس العكس .
فاذا كان بین القاضي وبین احد الطرفین عداوة او صداقة یرجح معھا عدم استطاعتھ الحكم بغیر میل فيمنع جوازيا من نظر الطلب القضائي استنادا لمنطوق الفقرة (2) من المادة (93) مرافعات مدنية لان العداوة او الصداقة تؤثر في حيادية القاضي وعدالته ويشترط فيهما :
1. ان تكون العداوة او الصداقة قوية جدا بحيث يتعذر على القاضي الحكم بغير ميل , ويفهم من هذا الشرط انهما اذا كانتا ضعيفتان بحيث لا تؤثران عليه فلا يجوز رده ومن مصاديق الصداقة الضعيفة هي مجرد المعرفة .
2. ان تكون العداوة او الصداقة شخصية , ويفهم من هذا الشرط انه لا عبرة بالاختلاف او الاتفاق في الاراء الفكرية لان الاختلاف في الراي لا يفسد في الود قضية كما قيل , كما لا عبرة بالصداقة او العداوة بين القاضي وبين وكيل احد الخصوم , اي لا تعد سبب للرد .
3. ان تكون العداوة او الصداقة قبل اقامة الطلب القضائي , ويفهم من هذا الشرط انه اذا كانت العداوة قد احدثها احد الخصومة بقصد منع القاضي من نظر الطلب القضائي فلا قيمة ولا عبرة بها .
ت- ابداء الرأي قبل الاوان :
ويقصد بالرأي هو القول الجازم الذي يبديه القاضي في موضوع الطلب القضائي , فاذا كان القاضي قد أبدى رأيا فیھ قبل الأوان فيمنع جوازيا من نظره استنادا لمنطوق الفقرة (3) من قانون المرافعات المدنية , لانه على القاضي ابدأ هذا القول بعد ختام المرافعة وعند الفصل بالطلب القضائي , واما اذا تعجل وابدأ قوله الجازم قبل ذلك كان هذا الابدأ موجبا لرد القاضي جوازيا من قبل احد الخصوم .
ويعتبر من اوضح مصاديق ابدأ الرأي الموجب لرد القاضي هو كتابة القاضي لرأيه في الدعوى على غلاف اضبارة الدعوى.
معياد الرد :
لم يحدد المشرع زمانا معينا لرد القاضي ولكنه اشترط ان يقدم طلب الرد قبل الدخول في اساس الطلب القضائي والا سقط الحق فيه , وهذا يعني ان طلب الرد مشروط بعدم الدخول في اساس الطلب وقبل تقديم اي دفع , فاذا انتفى هذا الشرط سقط حق الخصم في رد القاضي ويستثنى من هذا الشرط امرين هما :
أ. اذا اثبت طالب الرد انه لم يكن يعلم بسبب الرد الا بعد الدخول في اساس الطلب .
ب. اذا كان سبب الرد قد تحقق بعد نظر الطلب والدخول في اساسه
ففي هاتين الحالتين يجوز فيهما قبول طلب الرد وان تم الدخول في اساس الطلب استثناءا من الشرط المتقدم استنادا لمنطوق المادة (95) مرافعات مدنية .
إجراءات الرد:
حتى يؤتي الرد اثره لابد من سلوك الطريق الذي رسمه المشرع , اذ لا يكفي تثبيت طلب الرد في محضر الجلسة من دون سلوك الطريق الذي بينه المشرع وهذا الطريق هو :
أ- كتابة طلب الرد بعريضة مشتملة على اسباب الرد ومعززة بأدلة أثبات الرد وموقعه من الخصم او وكيله المفوض بالرد.
ب- تقديم طلب الرد الى القاضي او رئيس الهياة .
ت- يتوقف القاضي او الهياة عن نظر الطلب حتى يبت في طلب الرد من قبل محكمة التمييز حيث ان القاضي مخير بين تاجيل الطلب القضائي لعدة مرات حسب العرف القضائي وبين جعل الدعوى مستأخره لحين حسم موضوع الرد والاصوب هو الثاني.
ث- يجب على القاضي المطلوب رده الاجابة على طلب الرد خلال ثلاثة ايام من تاريخ تقديم الطلب اليه , ثم يقوم القاضي بأرسال الاجابة مع طلب الرد الى محكمة التمييز لغرض البت فيه بصورة مستعجلة استنادا لمنطوق الفقرة 3 من المادة 96 مرافعات مدنية .
ج- تقوم محكمة التمييز بتدقيق طلب الرد وادلة اثباته واجابة القاضي على طلب الرد ثم تقوم بإصدار احد القرارين الاتين وهما :
قبول طلب الرد ورد القاضي وتعين بديلا عنه .
رد طلب الرد وتغريم طالب الرد مبلغ لا يقل عن الف دينار ولا يزيد على خمسة الاف دينار .
ح- بعد ورود قرار محكمة التمييز الى محكمة الموضوع فان كان قرارها قبول طلب الرد وجب احالة الطلب القضائي الى القاضي الذي عينته محكمة التمييز , وان كان قرارها رد الطلب فيستأنف القاضي في نظر الطلب القضائي مع استحصال مبلغ الغرامة من طالب الرد .
خ- اذا قدم المردود طلبه طلبا أخر لرد القاضي نفسه في ذات الطلب القضائي فيستمر القاضي في نظر الطلب ويرسل طلب الرد مع إجابته الى محكمة التمييز استنادا لمنطوق الفقرة (5) من المادة (96) مرافعات وان الغاية من استمرار القاضي في نظر الطلب القضائي هو تفويت الفرصة على المحتالين على القضاء في تعطيل تحصيل حقوق الاخرين .
د- تقوم محكمة التمييز ايضا بتدقيق طلب الرد واجابة القاضي ثم تقوم باصدار احد القرارين المذكورين في الفقرة (ج)مع تغريم طالب الرد ما لا يقل عن ضعف الغرامة السابقة ان كان قرارها هو الثاني .
مع التقدير
تعليقات
إرسال تعليق
اذا أعجبك الموضوع فلماذا تبخل علينا بالردود المشجعة