الحق في حرية الرأي والتعبير
بحث ودراسة الحق في حرية الرأي والتعبير |
بقلم الاستاذ الدكتور محمد ثامر / استاذ القانون الدولي وحقوق الانسان
الاعلان العالمي لحقوق الانسان فقد نصت المادة 19 (( لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير ، ويشمل هذا الحق حريته في أعتناق الأراء دون مضايقة ، وفي ألتماس الانباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود )) وجاءت المادة 19 أيضا من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بنص مفصل وبثلاث فقرات : ـ ((
- 1ـ لكل إنسان حق في أعتناق أراء دون مضايقة .
- 2 ـ لكل إنسان حق في حرية التعبير ، ويشمل هذا الحق حريته في إلتماس مختلف ضروب المعلومات والافكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود ، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب أو بأية وسيلة آخرى يختارها .
- 3 ـ تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسؤوليات خاصة ، وعلى ذلك يجوز أخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية : ـ
أ ـ لأحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم .
ب ـ لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الأداب العامة )) ولكن المادة 20 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وضعت قيدا أخر ونظر لأهمية هذا القيد فقد خصص له العهد مادة خاصة توضحه وتحظره وتبين دلالالته ومغزاه حيث نصت المادة : ـ ((
- 1 ـ تحظر بالقانون إية دعاية للحرب .
- 2 ـ تحظر بالقانون إية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو المدنية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو التعذيب )) .
وقد تناولته المادة العاشرة من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان بفقرتين تحدثت الاولى على أن لكل إنسان الحق في التعبير وأن هذا الحق يشمل حقه في تلقي الاراء والمعلومات والافكار وحقه في تصدير هذه المعلومات والافكار والاراء دون تدخل من قبل السلطات العامة في الدولة ودون مراعاة للحدود ولكن هذا لايخل بما للدول من سلطات منح التراخيص المتعلقة بالبث التلفزيوني أو الحقوق السينمائية وأوضحت الفقرة الثانية أن ممارسة هذا الحق قد تخضع لقيود وشروط وجزاءات تحدد بقوانين تكون ضرورية للمحافظة على ديمقراطية المجتمع أو الامن العام أو الصحة العامة أو الاقليمية للدولة...
أو لمنع الجريمة وأنعدام النظام أو لحماية الاخلاق العامة أو لحماية سمعة الآخرين وحرياتهم وحقوقهم ، ولم تشر المادة الحادية عشرة من ميثاق الاوربي للحقوق الاساسية الى القيود الواردة على حرية الرأي والتعبير وأكتفت بفقريتها على الاعتراف بهذا الحق لكل إنسان فالفقرة الاولى أكدت على احترام حرية الصحافة وكذلك فعلت الفقرة الثانية ، وجاءت المادة الرابعة من الاعلان الامريكي لحقوق وواجبات الإنسان بنص مقتضب أشار الى حق كل إنسان في التعبير عن رأيه بأي وسيلة يرتأيها ...
دون أن يذكر القيود التي يمكن أن ترد على هذا الحق ولكن الاتفاقية الامريكية حفلت بتفصيل لهذه القيود يكاد يكون تكرار لما ورد في المادة 19 من العهد الدولي والمادة العاشرة من الاتفاقية ولذلك خصصت الاتفاقية مادتين هما المادة 13 والتي جاءت تحت عنوان الحرية في الفكر والتعبير والمادة 14 والمعنونة الحق في الاجابة وأوضحت الحق لكل من كان ضحية نشر معلومات كاذبة أن يحصل على رد من الجهة التي قامت بالنشر والحق أيضا في نشر تصحيح لهذه المعلومات الخاطئة ..
أما المادة 9 من الاتفاقية الافريقية لحقوق الإنسان فقد جاءت بشكل مختصر ووحدت ضوابط استخدام حرية التعبير بأن تكون وفق القانون ونصت المادة 11 من اتفاقية الحقوق والحريات الاساسية للإنسان لدول الكومنولث والدول المستقلة على حق التعبير بشكل مشابه للصياغة الواردة في المادة العاشرة من الاتفاقية الاوربية أما الدستور الامريكي فقد نص على الحق في حرية التعبير في التعديل الاول الذي منع الكونغرس من سن أي قانون ينتهك هذا الحق .
أن استقراء هذه النصوص ومحاولة تحليلها بغية الوصول الى جوهر وأبعاد هذا الحق تكشف أن هناك مسألتين في غاية الأهمية هما تعريف حق الإنسان في حرية الرأي التعبير أو تعريف حرية الرأي والتعبير وتحديد القيود التي ترد على هذا الحق على سبيل الحصر ، وفيما يخص مسألة تعريف الحق في الرأي والتعبير يجب أن نميز بين حق الرأي والحق في التعبير . فالحق في الرأي يعني حق الإنسان في تشكيل وأنشاء وأقامة رأيه الخاص عبر ما يتلقاه من معلومات وأفكار ورئ تتجاوز نظريات الحدود والسيادة في القانون الدولي العام ، بتعبير أخر ليس من حق أي فرد أو مؤسسة أن تفرض أي أجراء من شأنه أن يمنع أي إنسان من الأطلاع على أراء الآخرين سواء أكانت هذه الأراء قنوات تلفزيونية ( فضائية أو محلية )..
أو جريدة أو مجلة أو أذاعة أو أفلام سينمائية أو مواقع على الانترنيت أو كتاب أو مقال أو شريط صوتي , بأختصار يعني حق الإنسان في الاطلاع على كل الاراء بغض النظر عن طبيعتها مقرؤة أو مسموعة أو مرئية وبغض النظر عن مصدرها داخلي أو دولي ، شخص أو مؤسسة ،
لكي يتسنى لكل إنسان بعد ذلك وعلى أساس ما تلقاه من هذه الاراء المختلفة , تكوين رأيه الخاص به , أو تكوين عدة أراء يعتنقها جميعا ويفاضل بينها أو ينتقل من رأي الى أخر وفق ما يطلع عليه بحرية تامة . وهكذا فحرية الرأي تعني حرية تلقي المعلومة أو الرأي . أما حرية التعبير فيقصد بها حق الإنسان في التعبير عما يدور في ذهنه من اراء بأي وسيلة مكتوبة أو مقرؤة أو مسموعة وحقه في التعبير بالقول أو الفعل أو الامتناع عن كل ما يؤمن به من اراء ومعتقدات وأفكار ..
باختصار أن حق التعبير على العكس من حق الرأي فحق التعبير يعني حق الإنسان في تصدير معلوماته وأرائه ومعتقداته وأفكاره مهما كان منهجها وغايتها أما حق الرأي فيعني الحق في أستيراد الرأي والذي ينبغي أن يتم بحرية تامة ولذلك أستقر الفقه القانوني على الربط بين حرية الرأي وحرية التعبير فبدون حرية الرأي لا يمكن تصور الحديث عن وجود حرية تعبير لأن الإنسان لكي يعبر عن ذاته يجب أن تكون هذه الذات محصنة بأراء وكتابات ومواقف وتحليلات من أماكن مختلفة وفي عصور مختلفة ووفق ايدلوجيات وفلسفات متعاقبة ومتناقضة ومتفقة حتى تنصهر جميعا في مكنونات النفس البشرية التي تجرد فيها ما خزنت وما عانت وطمحت اليه وما تنشده من افكار ومعتقدات تأخذ هي الآخرى سبيلها نحو الظهور فيما يطلق عليه بحرية التعبير ,
أما المسألة الثانية فهي الحدود أو القيود التي ترد على حق الإنسان في تكوين رأيه وحقه في إبداء رأيه , أو بعبارة أخرى , هل يعني هذا الحق أن الإنسان حر في الاطلاع على جميع الاراء وبغض النظر عن مصدرها وأتجاهها وموقفها من النظام العام في الدولة وهل أن له أن يعبر عما يدور في خلجاته ووفق ما يرتأي من الوسائل بحرية تامة وبغض النظر عما أذا كان ما يعبر عنه من اراء ومعتقدات أو الوسيلة المستخدمة في التعبير تتناقض مع أتجاهات ومواقف وافكار الدولة أو المجتمع ؟
أن الفقرة الثانية من المادة 19 تنص صراحة على أن ممارسة هذين الحقين معا تستلزم واجبات ومسؤوليات خاصة ، هذا اعتراف صريح وواضح بأهمية هذين الحقين وخطروتهما وهو اعتراف أيضا بظرورة أباحتهما وعدم التضييق عليها ولذلك اشترطت هذه المادة ان تكون القيود التي تحد من هذين الحقين قيود قانونية ليست قضائية ولا فقهية ومن باب اولى ليست سياسية فهي أذن قيود تشريعية ينص عليها المشرع بقانون ، كما أن هذه المادة لم تترك حرية المشرع مطلقة في وضع هذه القيود وأنما استلزمت أن تكون هذه القيود ضرورية: ـ
- 1 ـ ممارسة الآخرون حقوقهم وحرياتهم .
- 2 ـ للمحافظة على سمعة الآخرين .
- 3 ـ لضمان الامن العام .
- 4 ـ للمحافظة على النظام العام .
- 5 ـ للمحافظة على عدم انتهاك الاداب العامة .
- 6 ـ للمحافظة على الصحة العامة .
- 7 ـ لحظر أي دعاية للحرب .
- 8 ـ لحظر أي دعاية للكراهية على أسس قومية أو عنصرية أو دينية .
وأذن فمن حق أي إنسان أن يتلقى أي فكر أو معتقد أو رأي وان يصدر أو يطلق أي فكر أو معتقد أو رأي بشرط أن لا يتخطى تلك الحدود والقيود والا عد منتهكا لنص قانوني يستوجب الوقوع تحت طائلة المسألة القانونية .
وكانت لجنة حقوق الإنسان قد أوردت بعض التعليقات على نص المادة 19 في التعليق العام رقم 10 في دورتها التاسعة عشرة لسنة 1982 جاء فيها أنه : ـ ((
- 1 ـ تقضي الفقرة الاولى حماية حق المرء في أعتناق أراء دون مضايقة وهذا حق لا يسمح العهد بأي أستثناء له أو قيد عليه .
- 2 ـ تقضي الفقرة الثانية حماية الحق في حرية الرأي والتعبير التي لا تتضمن حرية نقل المعلومات والافكار فقط بل حرية إلتماسها وتلقيها دون اعتبار للحدود بأي وسيلة كانت .
- 3 ـ أن الاحكام التي تعرف نطاق حرية التعبير أو التي تضع قيودا معينة وسائر الشروط التي تؤثر فعليا على ممارسة هذا الحق والتفاعل بين مبدأ حرية التعبير وهذه الحدود والقيود هو الذي يحدد النطاق الفعلي لحق الفرد .
- 4 ـ تؤكد الفقر ة الثالثة صراحة على أن ممارسة حق التقييد يتبعه واجبات ومسؤوليات خاصة ، وعلى هذا يجوز أخضاع هذا الحق لبعض القيود التي قد تتصل أما بمصالح أشخاص أخرين أو بمصلحة المجتمع ككل )) .
تعليقات
إرسال تعليق
اذا أعجبك الموضوع فلماذا تبخل علينا بالردود المشجعة